الإنسان كائن اجتماعي بطبعه مما يعني أن ليس بإمكانه العيش منعزلاً حتى ولا منفرداً. ولكنه يميل إلى الرغبة في العيش مع غيره والانتماء إلى وسط اجتماعي معين، ومع ذلك فهو ــ بطبيعته ــ محبٌ لأن يستأثر بأكبر قدرٍ من الفوائد والمنافع وأن يتمتع بمساحة واسعة من الحرية حتى ولو كانت على حساب الغير، الأمر الذي يؤدي إلى اختلافٍ في المصالح وتضارب في المنافع وبالتالي إلى حدوث الخصومات والمنازعات. ومن هنا كان ضرورياً قيامُ كيان اجتماعي يحول دون نشوء التضارب ويتسم بالتوازن بين تلك المصالح. إن هذا التوازن وذلك الاجتماع إنما يتم بفعل منظومةٍ قانونيةٍ تحمل في طياتها طابع الإلزام، يكون من شأنها تنظيم الروابط بين أفراد المجتمع وفرض الانسجام في العلاقات الاجتماعية في جميع مناحي الحياة. وإذا قلنا بتنظيم هذه العلاقات، فإن ذلك ليس مقتصراً على الأفراد أو الهيئات الإجتماعية، ولكنه ينسحب أيضاً على تنظيمها مع الهيئات العامة والسلطات الحاكمة، الأمر الذي يؤدي معه إلى استقرار تلك العلاقات، وبالتالي إلى السير المنتظم للحياة في المجتمع. وعليه فإننا نرى في القاعدة القانونية فكرة الاستقرار والأمن والعدالة والمساواة... الخ. إلا أن سلطة وضع تلك القوانين قد يُساء استخدامها أو يُتعسف في ممارستها من جهة، أو يحدث اختلافات في مفاهيمها أو دلالاتها بما يتم استبعادها عن غاية المجتمع الأساسية من جهة أخرى، وهنا لا بد من وقاية النظام العام بفرض قيود ذات طبيعة خاصة تجد أساسها في قانون أعلى وهو ما يطلق عليه بالدستور أو القانون الأساسي. ولما كان الدستور بحكم مكانته التي يعلو بها على القانون بجميع فروعه، وحيث أن القواعد القانونية تتدرج من حيث المرتبة فيتخذ الدستور وضعه الأسمى، إلا أن هذا الوضع المتميز في العلو لا ينفي أن المبادئ والقيم التي يحميها لها جذورها التي تسبق وجوده في ضمير الأمة. وعليه فإن الدستور يمارس تأثيره الفعال على سائر فروع القانون ويحول بالتالي دون أن تحيد عن مضمون الحقوق والواجبات والحريات التي حددها الدستور أو تطمس معالمها أو تقلل من تأثيرها أو تنتقص من فعاليتها.