يعد الإنسان كائناً اجتماعياً بطبعه، لا يستطيع العيش بمعزل عن الجماعة، إذ إنه بمفرده لا يمكنه أن يفي كل حاجياته. فعيش الفرد في جماعة يستتبع دخوله مع غيره في معاملات، وبذلك تقوم بينه وبينهم علاقات، ومن أجل تنظيم تلك العلاقات برزت الحاجة إلى القانون، باعتباره الأداة التي تنظم تلك العلاقات، فعن طريقه يتم التوفيق بين المصالح المتعارضة. وبما أن مصالح وظروف الأفراد تختلف من مجتمع إلى آخر، فإنه من الطبيعي أن تختلف القواعد القانونية السارية في مجتمع معين عن تلك المطبقة في مجتمع آخر. والاختلاف بين قوانين الدول المختلفة ما كنا لنحس به لولا سهولة انتقال الأشخاص والأموال عبر الحدود من دولة إلى أخرى. بمعنى أن الدول أجبرت في الوقت الحاضر على التخفيف من التمسك من مبدأ إقليمية قوانينها، وأضحت تسمح لمحاكمها بتطبيق قوانين دول أجنبية، فلم يعد تطبيق القوانين الأجنبية فيه مساس بسيادة الدول. ويدعى الاختلاف بين القواعد المطبقة على الجماعات داخل المجتمعات المختلفة، بالتنازع الدولي للقوانين. ولا يقصد هنا بالتنازع بين القوانين التعارك فيما بينها، ليظفر أحدهم بحكم العلاقة القانونية محل النزاع، وإنما يقصد به المفاضلة بين القوانين المختلفة واختيار أنسبها لحكم العلاقة القانونية. وهذه المفاضلة يجريها المشرع عند صنع قاعدة التنازع مراعياً اختيار القانون الذي يرتبط بالعنصر الأساسي لتلك القاعدة، وقد يجريها أيضاً القاضي عندما يكون بصدد نزاع يتمسك أحد الخصوم بتطبيق قاعدة قانونية في دولة معينة، ويتمسك الخصم الآخر بتطبيق قاعدة قانونية في دولة مغايرة، بينما يتمسك القاضي بتطبيق القانون الذي تحدده قاعدة التنازع في دولته.