تلجأ الدول إلى المحاكم الدولية لغرض الحصول على حكم قضائي يفصل في نزاع مطروح يحسم وجهات نظر متضاربة. ويدخل هذا العمل ضمن صميم الأهداف الرئيسية التي أنشأت من أجلها المحاكم الدولية، التحكيمية والقضائية، وهي فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية. ولكي تكون المحاكم الدولية على قدر هذه المسؤولية الملقاة على عاتقها، وحتى تكسب ثقة المستنجدين بها، فإنها تعمل على أن تكون أحكامها مؤسسة تأسيساً قانونياً، باعتبار هذه الأحكام تكون بين دول، خاصة إذا كانت تتصف بأنها نهائية غير قابلة للطعن. وتتوقف درجة التأسيس القانوني للأحكام والآراء على وجوب أن تكون أدلة الإثبات المقدمة لها صحيحة ويقينية تجنباً للتشكيك في مصداقيتها أو عدم تنفيذها فيما بعد. فأي نزاع قانوني لن يكون حله سليما إلا إذا كان هذا الحل مؤسساً على أدلة سليمة، وأي حكم لن تكون له مصداقية كافية أو طريقاً للتنفيذ إلا إذا كانت أدلة الإثبات التي بني عليها مدروسة دراسة كافية ومطبقة تطبيقاً سليماً. لكن رغم كل هذه الأهمية البالغة لأدلة الإثبات، إلا أنها لم تحظ بتلك الدرجة من الاهتمام لدى واضعي مختلف الأنظمة الأساسية واللوائح الداخلية لمختلف المحاكم الدولية، التحكيمية والقضائية. فإذا كانت هذه الأدلة وردت في مختلف القوانين الداخلية للدول في نصوص دقيقة ومحددة، تعددها وتنظمها وتشير إلى شروط تطبيقها، فإن ذلك كان غائباً في النصوص المنظمة لمختلف المحاكم الدولية، عكس الإجراءات المتبعة أمام هذه المحاكم، من طريقة رفع الدعوى وطريقة تقديم المذكرات والمذكرات المضادة وكيفية المرافعة أمامها واختصاصها الشخصي والموضوعي، ثم التشكيلة البشرية وطبيعة الحكم التي تصدره وكيفية تنفيذه والجزاء المترتب عن عدم تنفيذه.