يناقش علاقة الإسلام والمسيحية - بوصفهما حضارتين ونظاميْ حياة - بالديمقراطية الحديثة من حيث هي نظام حكم وثقافة سياسية قائمة على مفهوم إدماجي للمواطنة وعلى قيمَتي الحرية والمساواة. ولئن انخرطت في الغرب الأحزاب السياسية ذات المرجعية المسيحية في مساق التحديث السياسي لمجتمعاتها، وقبلت بالسياسة العلمانية وبالتعددية الدينية والثقافية، وخاضت الانتخابات، وتولت الحكم وقادت مسار إعمار مجتمعاتها وتحديثها وإعادة إرساء الديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص، فإن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة من السكان، باستثناء تركيا وإندونيسيا وباكستان وماليزيا، لم تحظَ بفرصة الوصول إلى الحكم بطريقة ديمقراطية، ولم تتصدر المشهد السياسي إلا بعد ثورات الربيع العربي في بعض البلدان العربية.تتطرق فصولٌ من هذا الكتاب إلى تجربة الديمقراطية المسيحية في الحكم في بلدان مثل إيطاليا وهولندا وطريقتها في إدارته على نحو ديمقراطي وصناعة التسويات والتوافقات مع منافسيها وخصومها لمنع الانحدار إلى العنف والصدام، وفي اجتراح الحلول للتحديات الاقتصادية والجيوسياسية والمجتمعية التي تواجه بلدانها، في حين تفحص أخرى تجربة الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في الحكم بعد الربيع العربي، وتطرح السؤال حول ما إذا كانت الخلفيات الفكرية والنظرية لهذه الأحزاب تؤهلها للسير في الطريق الذي قاد أحزابًا مسيحية إلى التحول إلى أحزاب ديمقراطية ذات ثقافة سياسية مدنية وقيم محافظة متأصلة دينيًا؛ بينما تطرق فصول أخرى الجدل الراهن حول العلمانية وما بعد العلمانية وتشرح خلفياته الفكرية والفلسفية، وتسائل استتباعاته على المشهد السياسي في الديمقراطيات الحديثة ومدى قدرته على خفض التوتر فيها بين نزعتها العلمانية ومطالب الجماعات الدينية بالحق في التعبير عن نفسها في المجال العام؛ في حين تتناول أخرى بالدرس الصعوبات التي تواجه الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في استنباط حلول أصيلة ومجدّدة لمسألة التنمية الاقتصادية بعيدًا عن الاستقطاب بين الاشتراكية والليبرالية، وتنظر فصول أخرى في مدى قدرة هذه الأحزاب على التحول من أحزاب دعوية ذات نزعة أممية عابرة للأوطان إلى أحزاب وطنية مدنية ديمقراطية ومحافظة وذات خلفية إسلامية أيضًا.
