في عام 1953، نشر الفيلسوف البريطاني إشعياء برلين مقال مشهورًا بعنوان (القنفذ والثعلب) وهو مقال مبني على جزء من حكاية رمزية قديمة للشاعر اليوناني القديم أرشيلوسيوس، فحواها أن الثعلب يعلم أشياء كثيرة صغيرة، في حين أن القنفذ يعلم شيئًا واحدًا عظيمًا.ستخدم برلين هذه الأسطورة كنواة لتقسيم مفكِّري العالم وكُتَّابه العظام إلى قسمين: الثعلب والقنفذ. لدى القنفذ فكرة عظيمة واحدة، فهو يرى العالم كله من خلال هذه النظرة المُفردة. وقد ضرب برلين عددًا من الأمثلة على هذا الصنف من المفكرين والفلاسفة مثل أفلاطون وهيجل ونيتشه، والكُتَّاب مثل دانتي ودستويفسكي وإيبسن وبروست. في المقابل يبتكر الثعلب -الذي يُمثله أرسطو وشكسبير ومونتاني وجوته- نطاقًا واسعًا من الأفكار والتجارب، كما أنه يرى العالم من زوايا متعددة.يتضمن هذا الكتاب العديد من الأفكار العظيمة «للقنفذ» -مثل نظرية المُثل الأفلاطونية أو النظرية المثالية لهيجل أو النظرية المادية الجدلية الماركسية- على سبيل المثال لا الحصر. ولكن بسبب النطاق الواسع لمثل هذه الأفكار «القنفذية»، وبسبب رغبتي في ضم الكثير من المفاهيم المتناقضة: تساؤلاتها وفرضياتها؛ بسبب كل هذا ستكون طريقة عرضي للأفكار العظيمة في هذا الكتاب أقرب لطريقة «الثعلب».وعلى الرغم من أن هذا الكتاب يعرض آفاقًا شاسعة من المجالات الأكاديمية، إلا أنه يحاول الإحاطة بكل هذه المفاهيم، أو وبالأحرى اختيار مجموعة من الأفكار التي يشعر القارئ العام أنه ينبغي له أن يعرف القليل عنها، ومن ثم يمنحه هذا الكتاب ملخصًا وجيزًا لمفاصلها الرئيسة. أطولُ الأقسام في هذا الكتاب كُرِّست إلى حدٍّ كبير للأفكار الفلسفية والسياسية، ولا عذر لي في ذلك. ولكن القارئ سيجد أيضًا موضوعات عن العلم والاقتصاد وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس والفنون.
