صرخة الغضب، في تقصيه المنهجي والعملي لمفهوم "خطاب الهامش" وآليات اشتغاله، يتنزّل في مجالَي تحليل خطاب الشعارات وتأصيل بلاغة جديدة. وقد أظهرت المضامين (الهتافات، والمدونات، والشعارات، والكتابات الجدارية)، أن الهامش أضحى اليوم متنًا بقدر ما أمسى الجدار نصًا، لما تنطوي عليه الساحات العربية من فيض بلاغي مبتكر ومستظرف، وسَمَ درر البلاغة الشعبية من الكلام الاعتراضي.الإشكالية التي يرتكز إليها الكتاب، وينطلق منها ليرسمَ فرضيات ويطرح أسئلة محقّة، تتمحور على نحوٍ رئيس حول الكيفيات والآليات التي اكتنفت حضور المكوّن اللغوي، بمستوياته التداولية وبوظائفه الإقناعية والبلاغية والإبلاغية، في مفاصل هذه الانتفاضة الشعبية العارمة ومثيلاتها.فهل مكّنت مستويات التداول اللغوي مستعمليها من توظيف منطقها واستثمار مخزونها المفرداتي، والاستعانة بتراكيبها وصورها البلاغية، لصوغ مطالبهم وبلورة أفكارهم، وإبلاغ رسائلهم لمن يهمه الأمر؟ وهل استوعب ناشطو خريف الغضب اللبناني دروسًا حراكية سابقة (2005 و2015-2016)، فعدّلوا الأشرعة، وبسّطوا خطاباتهم، وحدّدوا وجهاتهم، كي يفلحوا في مسعاهم التغييري؟ وهل بيّنت التغذية الراجعة لرسائلهم أنهم نجحوا هذه المرة في مخاطبة "الشارع" المنتفض بلغةٍ تشبهه، وتحترم ذكاءه الاجتماعي، وتحاكي أحلامه، وتنفّس عن غضبه وسخطه، وتشرح له أسباب ما يدور من حوله وأهدافه؟ أسئلةٌ واجبة الوجود نعاود طرحها علّنا نستشرف والقرّاء إجاباتٍ وافيةً ومقنعة عنها.